الثلاثاء، 3 أغسطس 2010
كالجزيرة
كنت راكباً في مركب تائهاً بمحيط اسمه الحياة، سألت القبطان الذي أسمع نحيبه كل ليلة بعد فراغه من صلاة الليل، تسرق أذني بعضاً من همساته مع نفسه “ يارب، أريد أن أتغير، أريد عملاً يُكسب مالاً لاشتري بيت أحلامي، وأتزوج امرأة حسناء شعرها طويل، يارب آمين” فأقول في نفسي، السماء لا تمطر ذهباً، وأغفو لموعد مع أحلامي الضخمة.
استيقظتُ في الصباح، وسألتُ القبطان أين نتجه؟ فأجاب، إلى اللامكان، فنحن سفينة تمشي دون بوصلة، ولا عنوان، ركابها تائهون، أين ما ترسلنا الرياح نكون..لم يعجبني جوابه، فكرت بالفرار أكثر مرة، لكن الخوف من تطبيق القرار منعني، كيف سأعيش لوحدي، من أين سأجلب الطعام، من سيسلي وحدتي؟
عاصفة قوية قادمة، صرخ مراقب المركب، هلع الجميع، لأن العاصفة تعني أن موعداً مع الموت قادم لنا، في تلك اللحظة زارتني فكرة كانت تراودني وهي رحلة اكتشاف من أكون، لأصنع لنفسي إسماً، وأعلم أين سأكون، فهل الآن هو الوقت المناسب لهكذا فكرة..
هجمت العاصفة بسرعة، كانت كالتي كنت أشاهدها في الأفلام، وجدتُ نفسي أعومُ خارج حدود المركب، تيقنت الموت، ومر شريط ذكريات أبكاني،طلبت ودعوت النجاة من الله، فاختفى المشهد من أمامي بضباب حتى دخلت في غيبوبة، أرى ما بداخلي جيداً وبوضوح، هناك في أعماق عقلي، وخلايا ذهني، وأعصاب أفكاري، شعرت كأني غرقت في نفسي ومع نفسي، وبداخلها.
استيقظتُ على منقار نورس كان يطرق جمجمتي، فتحتُ عيناي، وسجدتُ لله شكراً له وحمدا، جزيرة، غير مسكونة، مليئة بالعاصفير، فيها نباتات قليلة، وكومة أخشاب من حطام سفينة أظن أنها كانت ضحية لعاصفة، الجزيرة مقسمة لنصفين بخط مائي كالنهر يفصلهما، لم أرى في حياتي منظراً جميلاً كهذا، نفس عميق، وشهيق، شعرتُ بالخوف، كيف سأبدأ ومن أين؟ حتى حاربت كل الشكوك وقررتُ التخطيط لستغلال كل جزء من هذه الجزيرة، وتنميتها، وإعمارها بكوخ صغير يناسبني، وقضاء أوقات فراغي بشيء مفيد، فقد يأتي يوم، وأجد آخرين تائهين مثلي، فأرحب بهم، وأكون دليلهم، وأساعدهم..جد واجتهاد، ليل نهار، لصناعة ذلك الكوخ، واكتشاف الموارد في هذه الجزيرة، وجدتُ صندوق يحتوي على كتب قديمة، ولا أذكر أني قرأت كتاب في حياتي، بدأت بشغف للمطالعة، والتعمق في الصفحات ببطئ، وتكرار ما يغريني، عندما أشعر بقوة عند قرائتي لبعض من الجمل والكلمات. بعد عامين، لم أعرف فيهما الملل، لم أشعر بالوحدة أبداً، بل شعرتُ أنني وجدت نفسي، أنشأت حدائق بزهور جميلة حول كوخي الخشبي الجميل، تلهمني ألوان الطبيعة الخضراء وتسليني..
الآن، عرف الناس تلك الجزيرة، وبدأوا بزيارتها، ليشموا أزهارها، والاستمتاع بالمناظر التي فيها، ويقابلوني بحب وتقدير، فحمداً لله على فضله، وشكراً لمشيئة الله بقدوم تلك العاصفة، شكراً للصوت الداخلي الذي أيقظني وأرسلني لمكان افتخر به طوال العمر، فلدي رسالة تدفعني، ورؤية شغوف لتحقيقها لأنهض بما أستطيع بعزة وفكر وقوة فعل وكيان في هذا العالم الجميل..
عبدالعزيز دلول
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)

هذا لأنك تستحق الأفضل دائماً
ردحذفشكراً لك لمنحنا حق زيارة هذه الجزيرة عبدالعزيز ..
دلالـــــ
wow
ردحذفحمد دلول
الله جميل جدا جداااااااا
ردحذفطبعا احنا جزء منتظر العاصفه وجزء اتخذ قراره و بدا قبل العاصفه ما تبدا لا مجال للخوف لمن يريد حياه مزدهره جميله يستغل كل ما خلقه ربنا له فيها او فى نفسه وبجد جزيرتك جميله اوى يا عبد العزيز واتمنى لكل منا واحده مثلها ليتم تبادل الافكار وننهض جميعا بالامه وبالعرب
جميل جداً ومن هذه المدونه اكتشفت بأنه الانسان عباره عن محيط كبير او بحر كبير ويجب عليه ان يستغل كل نقطه من هذا البحر او المحيط ويحسن استغلاله
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
ردحذفمن أجمل التدوينات التي كتبتها
حقًا رائعة ما شاء الله.
في الواقع هذه العاصفة ربما تحدث للكثيرين ولكنّهم لا يعرفون كيف يفكّون الشيفرات الإلهية والرسائل والهمسات التي يهمسها لنا في كل ما يحدث لنا من خير وشر.
وهنا أقتبس من كتاب الدكتور مصطفى محمود، سواح في دنيا الله:
"لا يكتمل إيمان المرء حتى يدرك أن كل ما يحدث له من خير وشر هو شفرة يقول بها الله شيئًا، وهمسة يهمس بها في أذنه"
والشاطر من يفهم
إلى مزيد من الكتابات الملهمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
ردحذفمن أجمل التدوينات التي كتبتها
حقًا رائعة ما شاء الله.
في الواقع هذه العاصفة ربما تحدث للكثيرين ولكنّهم لا يعرفون كيف يفكّون الشيفرات الإلهية والرسائل والهمسات التي يهمسها لنا في كل ما يحدث لنا من خير وشر.
وهنا أقتبس من كتاب الدكتور مصطفى محمود، سواح في دنيا الله:
"لا يكتمل إيمان المرء حتى يدرك أن كل ما يحدث له من خير وشر هو شفرة يقول بها الله شيئًا، وهمسة يهمس بها في أذنه"
والشاطر من يفهم
إلى مزيد من الكتابات الملهمة
الله جميل جدا جداااااااا
ردحذفطبعا احنا جزء منتظر العاصفه وجزء اتخذ قراره و بدا قبل العاصفه ما تبدا لا مجال للخوف لمن يريد حياه مزدهره جميله يستغل كل ما خلقه ربنا له فيها او فى نفسه وبجد جزيرتك جميله اوى يا عبد العزيز واتمنى لكل منا واحده مثلها ليتم تبادل الافكار وننهض جميعا بالامه وبالعرب