لقد عمل نهاراً، وكد ليلاً، وأعرض عن اللعب، ونبذ المتع، وقرأ العديد من الكتب، وتعلم أشياء كثيرة، وشق طريقه إلى الأمام واستحق النجاح... وبرغم المشقة التي لاقاها وإيمانه وكده، عندما حقق النجاح قال الناس إنه الحظّ ~ مجهول

أرحب بك في موقع الرسمي
www.azizdalloul.com

الجمعة، 9 يوليو 2010

عابر سبيل

الجزائر - أسطاوالي

أنت لي، ولي لك، ولنا كلنا نحنُ لبعضنا، استنادً على ما قاله الرسول، صلى الله عليه وسلممثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد، بالسهر والحمىرواه مسلم..
كلماتٌ خرجت من سائق الباص المثقف، كالجريدة المتحركةلا أحد يموت هنا في الجزائر من الجوعفإن فقدت مالك، لم تجد لقمتك، تهت في الشارع، طردت من وظيفتك، لا سكنٌ تقيم فيه، لا بشرٌ يردون السلام عليك، لا شمس فوقك، لا هواء تتنفسه فكلمة السر هيعابر سبيل، أن تدق الباب على أحد سكان أهل الجزائر الطيبين، وتشرح لهم وضعك الحالي الحرج المضطرب اللا ليس لك باليد حلية فيه، سيبتسمون لك، ويساندوك، ببساطة ستجد الحلول، فالخيارت متاحة في تطبيق الحديث الذي ذكرته بالأعلى، فهذه أخلاق المسلمين المؤمنين، أنا لك أخاً وأنت لي المثل، ويضيف السائق ويقول: “ إن لم تجد أي شيء تأكله، إذهب واطرق باب أحدهم، وسيطعمونك، ويجعلونك تبيت عندهم إن أردت، وتأخذ دشاً ساخن بالمجان أيضاً، فلا مانع لديهم أن يخدمونك، لأنك مسلم..” استغربتُ من طريقة حديثه، فسرقت اللحظات تفكيري وقلتُ في نفسيمن الممكن أنه فقط يعطيني إنعكاساً إيجابياً عن الجزائر، ويريدُ أن يذهلني”..
توقفتُ عن قراءة الجرائد الجزائرية، ففيها التوجيه واضحٌ، وتشويه النصوص مبالغ فيها، بعد أن تأكدت عن تيارات تقود الإعلام في الجزائر، وتخنقه لحد الانتحار، أن تقول فضيحة سهل أن تقول كلاماً جميلاً في العالم الحالي، فالشهرة محكومة على الأخبار الغريبة، والنادر سماعها، هذا أسلوب جريدة النهار الجزائرية، ملغومة، وتجعلك تقرب الجريدة لوجهك أكثر، لتتأكد من صحة ما نشر، ومكتوبٌ فيها، وتنسى أن تأخذ نفساً، لأنك تفكر هل هذا صحيح؟ ولأنني لست في الجزائر مقيمٌ أو مواطن فيها، ولأني من بلدٍ أنعمَ الله عليها بالخير والأمن، فكأني مازلتُ مراهق يفتح عيونه على أشياء جديدة، ويتعلم وقبل ذلك ينصدم منها...
في خطبة الجمعة أكد الشيخ كلامه عن الحب في الله، والأخوة، وذكرحديث الجسد الواحد، وذاد تأكيداً لكلام السائق عن عابر السبيل، وذكر بأن هناك أأمة آفارقة، يريدون العودة لبلادهم بعد خدمتهم الإسلامية بالدعوة لله، ويملكون نصف سعر التذكرة ليشموا رائحة بلادهم..ذكر الخطيب المصلين بحديث الأخوة في الإسلام، والتواد والتراحم والعطف، وبأمجاد طبع الجزائرين الثورية، ومدى تطبيقهم للأخلاق الإسلامية الشرعية الوطنية، في حفظ معنى الأخوة، وحب الناس لأنهم ناس، فكانت الصدقة لذلك اليوم، نصيباً للأأمة الأفاضل، عابرين السبيل، ليعودوا للبلاد بصدقات أهل الجزائر الأفاضل الكرماء..
خرجتُ لفناء المسجد الجميل، ممتلأ بالأشجار، وفي منتصفه نافوة تسقي العطشى، وتبرد على المصلين حر الظهر المستقيم الأشعة، فتحتُ المصحف لأقرأ مهمة من مهام يوم الجمعة، سورة الكهف، بعد استغفارٍ كثير، لأن الجهاد ليس فقط في الحرب، والمعارك، بل جهاد النفس، وقتل شهوات الذات، فالعيش في أي بلد تضجُ الحرية فيها، اسميه بالجهاد العظيم، فهناك فرق بين الدول الإسلامية التي تندر بالإنفتاح والحرية...هناك فرق شاسع بين اللالتزام بإوامر الله في بلد إسلامي محافظ، وبلد غير إسلامي متاح لكل شيء..
جلستُ بجانب رجلٌ كبير في السن، بعد أن قبلتُ رأسه، كما فعل الآخرون قبلي، فمر الجميع بعدي، وسلموا علي لظنهم بأني أنتمي لعائلة الشخص الجليل، ظهره أحدب، ذائب الجلد، ملامحه مرهقة، حاجباه مستسلمان ذائبان على عيناه، على عكاز يكافحُ من أجل الوقوف على رجليه الضعيفتان، سمع صوتي أرتل وقال بصوت منخفض، ولغة غير مفهومة،وشاأنتكيف...” أسرعت بقطع وتسهيل الطريق عليه، والتعريف بهويتي، فقلتُ، عبدالعزيز دلول، من غزة، فلسطين، فابتسم مسلوب الأسنان وألقى بصره هناك بعيداً ، وقال جملة بالتأكيد لم أفهم شيء منها، وأعتقد أنه لم يكن يتحدث معي باللغة العربية، قام من الكرسي، ببطئ شديد، لدجة أني تخيلت نفسي هو لوهلة، ثم أكملت لأعود لأكمل قصة أصحاب الكهف وسيدنا موسى والخضر وذي القرنين ويأجوج ومؤجوج..
 بعد لحظات هجم وخطف رجلٌ في الخمسينيات من تحت الكرسي الذي كان جالسٌ فيه الرجل العجوز، وهرب ببطئ سريع! والتفت الناس إليَّ، هل هي نقودك؟ انتبهتُ، ولحقه رجلين، وبعض المصلين قالوادعوه، دعوه يحصل على رزقه !!” كنا في فناء المسجد، وسرقة أمام أعين الناس،قلتُ أني أعرف صاحب المال، فنهضتُ أبحث عن الشيخ، ووجدته يمشيء ببطئ، سألته أين مالك؟ لم يفهمني، ولم أفهمه، سحبته من يده، حتى جلس على نفس الكرسي، وقلتُ للناس المال لهذا الشيخ، رفع بصره للسماء ودعى الشيخ لله، بدأ الناس يتحدثون معه، ويواسونه، لأن المبلغ كان ٥٥ ألف دينار جزائري، أي ضخم نوعاً ما...سكن الجميع، وعدت لمصحفي باستغراب، تسائلتُ، لماذا يحضرون هؤلاء للصلاة؟ وهل هم أصلاً مسلمون؟ السارق، الزاني، الخمّار، هل يتوبون فعلاً أم يظنون أن الصلاة رفع عتب وإثبات حضور وظيفية يأكدون من خلالها للناس وليس لربهم أنهم مسلمون؟
عاد الرجلين البطلين، وابتسمتُ وابتسم المصلين، سلم الشيخ الكبير عليَّ وغادر، بعد أن شكرني الناسُ لأني أدللت عن صاحب المال، فكنت مشاركاً في حل جزء من قضية السرقة الطازجة، وكان ينقص فقط، إدانة السارق وتنفيذ حكم شريعة الدين، بقطع يده ليتعلم ويعتبر الجميع..إذاً لاخوف في الجزائر من الموت جوعاً، فالكل هنا عابرُ سبيل، وكما قال الرسول، صلى الله عليه وسلمكن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل”.. 

هناك 7 تعليقات:

  1. فعلاً جميل، انسجمت في كل فقرة من هذه التدوينه،
    وصف دقيق ورائع لأحداث واقعية، تجعلك تعيش اللحظة وكأننا معك

    أشكرك أخي عبد العزيز

    ردحذف
  2. و فعلآ رائع , كما قال الاخ محمد صادق :)
    سلِم قلمُك الذي نقل لنا الأحداث و التفاصيل المتواضعة التي مررت بها ..
    عشت الأجواء مع كلماتك :)
    جميل أن يعيش شعب بهكذا أخلاق .. أستغرب أحيانا, هل من عانوا و عاشوا تجارب أليمة نوعا ما, هم فقط الذين يتغيرون و تتغير طباعهم و أخلاقهم و تعاملاتهم للأفضل ؟
    أجد الاجابه أحيانا انها هي كذلك , التعلُم و التجربة و الخبرة هي من تصنع اناسا أفضل ..
    والله أعلم
    شُكرا لك

    ردحذف
  3. أًمنيتي أزور الجزائر
    :)

    ردحذف
  4. لو سمعت كل ارض بما كتبته عن الجزائر ، لتمنت ان تزورها..
    ولو قرأ اي بشر ما كتبت لتمنى لو انه أرض انت عابر سبيل فيها..

    عيشتني اللحظه@@ وكأني هناك تعبيرك جميل ماشاء الله سلمت يمناك على ما كتبت
    ..

    ردحذف
  5. محمد صادق : أشكرك يا عزيزي على حضورك في الصف الاول ومتابعتك للفلم :) ... أوصيك بأن تبقى روحاً مرحة وأن تستمتع وأن تتميز كما أنت لا تتغير

    أميمة : نعم التجربة تصنع إنسان عظيم، فليس التعليم فقط، وليس تقدير ممتاز يعجلك محبوباً، هي مرحلة لربط سلسلة التقدم والنجاح ، بارك الله فيك، وشكراً لاستمتاعك

    أماني : يارب يكتبلك اياها، تستحق الزيارة

    ساره: اعذريني من الإجابة على سطر، جملتك عميقة جداً يا سارة، أتمني أن أستحقها

    سعيد لانك استمتعت يا سارة

    ردحذف
  6. جميل ، ربنا يبارك ويثبتك على الدين الاسلامى
    ويجعلك دائما فخر لكل شباب المسلمين

    ردحذف
  7. لو سمعت كل ارض بما كتبته عن الجزائر ، لتمنت ان تزورها..
    ولو قرأ اي بشر ما كتبت لتمنى لو انه أرض انت عابر سبيل فيها..

    عيشتني اللحظه@@ وكأني هناك تعبيرك جميل ماشاء الله سلمت يمناك على ما كتبت
    ..

    ردحذف